فضفضة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الرجل الذي لم تسقط على رأسه التفاحة ( قصة قصيرة)

اذهب الى الأسفل

الرجل الذي لم تسقط على رأسه التفاحة ( قصة قصيرة) Empty الرجل الذي لم تسقط على رأسه التفاحة ( قصة قصيرة)

مُساهمة من طرف angel eyes الأربعاء أبريل 16, 2008 8:01 am

تناثرة قطرات الندى لتلامس وجهه الخشن ، فأحس بنوع من السكينة و الطمئنينة المجهولة المصدر ، تتسلل إلى قلبه ، نظر بملئ عينيه إلى ذلك الرياض الأخضر المنبسط أمامه ، ولأول مرة منذ مدة طويلة ، أخذ نفسا عميقا وحدث نفسه قائلا : يال الروعة .

لم يكن ليسمح لشيء بأن يعكر عليه صفو تلك اللحظات الدافئة التي كان يعيشها ، فهو منذ مدة ليست بالقصيرة كان حبيس أربع جدران ضيقة ، تزداد ضيقا كلما حاول ان يخمن مدى ضيقها .

لذلك بمجرد ان رأى الحاجز المعدني الفاصل بينه و بين تلك الحديقة التي يدعوه اريجها إلى الدخول إليها و أخذ قسط من الراحة بها ، قام بإستلال سكينه وعمل منفذ للداخل ، وماإن وطئت قدم لارض الحديقة حتى عاوده ذلك الشعور اللطيف بالحرية و السعادة .

أخذ يتأمل بعينيه الجاحظتين ماتحتويه الحديقة من أزهار و أشجار قامت أيدي خبيرة بالاهتمام بها و رعايتها و سقيها و كأنها لوحة تشكيلية مرسومة بواسطة فنان مرهف الإحساس .

لم يدري السر وراء رغبته الملحة في الإمتداد على العشب الأخضر أمامه ، فهو لم يكن يحس بالتعب أو الإرهاق ، بل بالعكس فلقد كان نشيط على غير عادته ، لقد كان تواقا للمشي و الجري بل وربما للقفز . فهو لم يتمتع بحريته طوال الخمس سنوات الماضية . لم يكن مسموحا له أن يعبر عن طاقاته المختزلة أو مشاعره المكبوتة ، لقد كان مسجونا نفسيا و جسديا ومما زاد مرارة سجنه هو إصابته التي منعته من مزاولة بعض الأنشطة الرياضية التي كانت تقام بالسجن المتواجد به ... ربما كانت الاثار النفسية وراء إصابته هي التي جعلت من جسده يتداعى و يستسلم بسهولة امام ذلك البساط الاخضر البديع .

هاهوذا يبسط قدماه أمامه في حركة ألية مرهقة ، ولكنها ممتعة في نفس الوقت . أخذ ينصت بهدوء إلى زقزقة العصافير فوق رأسه و تذكر تلك العصافير التي كانت تزوره بين الحين و الاخر في فضاء سجنه و بمجرد محاولته مداعبتها تفر هاربة و كأنها هي الاخرى تخشى الاسر و قمع الحرية .... إزدادت حرارة الشمس فوق رأسه ، مما جعله يخرج من حالة الهدوء النفسي التي ألمت به فور ملامسته للعشب . فقرر أن يحتمي من تلك الأشعة بواسطة ظل شجرة تفاح قريبة منه . فزحف متثاقلا إليهاو قام بإسناد جسمه على جذعها ، و أخذ ينظر إلى رجله بنوع من السخرية الممزوجة بالحسرة و الشفق ، وقرر أن يمدها خارج ظل الشجرة لكي تنعم بأشعة الشمس الدافئة .

كان يفكر في روعة الشعور بالحرية و أخذ يتذكر لحظات الأسر ، لم يكن يدرك قبل تلك اللحظات أن مجرد التمتع بنزهة ربيعية في حديقة غناء ، نعمة لا تقدر بثمن ، لم يفق من تفكيره هذا إلا من خلال ذلك الصوت المحرج و المحبب لمعدته وهي تعلن موعد وجبة الغذاء .
نظر حوله ليجد ان تلك الحديقة كانت بالفعل جنة الله في الأرض ، فلقد وجد بها أشجار البرتقال و أشجار الموز و أشجار الرمان وجداول مياه تنساب بين أروقتها .
لقد كان يريد أن يتمتع بكل تلك الفواكه بل و يبدأ في البحث عن أصناف أخرى ، ولكن تلك الرغبة المبهمة بالراحة و التمدد كانت تمنعه .
نظر حوله في يأس و أطل برأسه للأعلى ليرى حبات التفاح الناضجة تزين الشجرة التي يتكإ عليها ، شعر بغبطة و فرح و هو يشاهد ذلك المشهد الفاتح للشهية ، وبما أنه لم يكن يقوى او يرغب في النهوض ، إرتأى أن يقوم بقذف تلك التفاحات العالية بواسطة سكينه لكي تسقط عليه ، ولكنه خاف من أن يسقط السكين اولا عليه . وقرر بعدها أن يقوم بضرب الشجرة بواسطة كتفيه لعله يستطيع أن يزعزع بعض الاغصان و تسقط التفاحات و هكذا بدا في ضرب الشجرة و كلما ضربها أكثر كلما تحركت الاغصان ، ولكن لم تسقط تفاحة واحدة . أحس بنوع من الكأبة بسبب ضعفه و قلة حيلته .

حاول قدر الامكان ان يقنع نفسه انه بأستطاعته الحصول على مبتغاه ، وأنه إن لم يقم الان على قدميه و يصعد للأعلى و يحضر تفاحة فإنه سوف يصبح أضحوكة نفسه و سوف يعجز بعدها على عيش حياته بطريقة طبيعية ، ولام نفسه قائلا : كيف لي أن أعيش بحرية و أنا لا أستطيع الحصول على تفاحة .
تراكمت العبارات التشجيعية و كلمات التحفيز في رأسه مما جعل جسده المتهالك يقاوم تلك الرغبة اللئيمة بالإستسلام للراحة و إستطاع بعد جهد جهيد أن يقف على قدميه . و يصعد على جذع الشجرة و يقترب من الأغصان الحاملة للتفاح الشهي ، و لكنه إستغرب كيف أنه كلما حاول الوصول لتفاحة يجدها تبتعد عنه و كأنها ترفض أن يمسكها . حاول أكثر من مرة أن يمد كلتا يداه غللا إحدى التفاحات القريبة ولكنه لم يصل مهما حاول ... قرر أن يستل سكينه من جيبه لعله يساعده على نيل مراده ، ولكن التفاحات العنيدة ابت الاقتراب منه .
وفي خضم إحدى محاولاته اليائسة للوصول للتفاح الشهي ، وجد نفسه يتعثر من على إحدى الاغصان ليسقط من على الشجرة و يرتطم بالأرض الإسمنتية الباردة ، لزنزانته الضيقة .
فنظر بأسى إلى جدار زنزانته الرمادي الداكن ، وقال : آه ، كم أتمنى الحصول على تفاحة .
angel eyes
angel eyes
مشرف
مشرف

المساهمات : 218
تاريخ التسجيل : 06/04/2008
العمر : 38

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى